زيارة ترمب للسعودية- إرهاصات فتح وأيقونة قيادة عالمية
المؤلف: نجيب يماني09.13.2025

من نافلة القول إنّ قواميس السياسة العالمية مدعوّة اليوم لصياغة تعريف جديد، تعريف ينسجم تمام الانسجام مع الحدث الجلل الذي شهده قلب المملكة العربية السعودية في منتصف الأسبوع الماضي، وهو الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
إنّ من يظنّ أنّ هذه الزيارة كانت مجرّد زيارة "اعتيادية" تندرج في إطار العلاقات الدبلوماسية والإجراءات البروتوكولية المعهودة بين الدول، فهو واهمٌ أشدّ الوهم. فالأمر أبعد من ذلك بكثير، وأعمق غوراً، وأكثر ثراءً بالمعاني والدلالات الخفيّة، والرسائل الموجّهة، والآثار الممتدة التي بدت كدوائر متّسعة الآفاق، تجذب إليها كلّ ما يحيط بها بقوّة مغناطيسية لا تقبل الحياد أو الانفكاك، لتشمل بتأثيرها كلّ من هو محلّي وإقليمي وعالمي.
حقّاً، كانت تلك الزيارة استثنائية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. فما سبقها كان بمثابة الإرهاصات، وما شهدته كان فتحاً مبيناً، وما خلّفته وراءها كان بمثابة أيقونة خالدة.
إنّ ما أقوله هنا هو عين الحقيقة، لا مجرّد تخمين أو ظنّ. هو اليقين المطلق، لا التخرّص أو التكهّن. هو الواقع المجسّد، لا مجرّد كلمات عابرة لرجل متيّم بوطنه وقادته، ومفعم بالحبّ والانتماء. وإذا كان هذا هو حالي، فما عليّ من لوم أو عتاب. ولكن بعد التروّي والتأمّل العميق في مجريات الأحداث، تبلورت لديّ هذه الثلاثية المتجسدة في أيقونات "الإرهاص" و"الفتح" و"الأيقونة".
لننظر إلى المشهد العالمي قبيل الزيارة. كان مشهداً ملبداً بالغيوم، مضطرباً، محفوفاً بمخاطر المواجهات والصدامات، تهتزّ أركانه بفعل القرارات الاقتصادية التي أعلنها الرئيس ترامب، ممّا دفع دول العالم قاطبة إلى إعادة حساباتها والبحث عن حلول ومخارج. وفي خضمّ هذه الأجواء المتقلبة، يتّخذ الرئيس الأمريكي قراره بزيارة منطقة الشرق الأوسط، على أن تكون البداية من المملكة العربية السعودية.
هنا يكمن الإرهاص، وتتجلّى المكانة الرفيعة للمملكة. فالاختيار لم يكن عشوائياً أو اعتباطياً، والأولوية في الزيارة لم تكن مجرّد إجراء روتيني أو تفصيلة هامشية في عالم الجغرافيا السياسية. بل كانت فاتحة اقتضتها مكانة المملكة السامقة، وقيادتها الرشيدة، التي تتمتّع بالثقة والكفاءة اللازمتين لإحداث التغيير المنشود، بنديّة من يملكون القدرة والنفوذ، وسطوة من يقدرون على الفعل والتأثير.
لقد أدرك ذلك تمام الإدراك الدبلوماسي الأمريكي المخضرم ألبرتو فرنانديز، الذي وصف الزيارة بأنها "اعتراف أمريكي صريح بالدور القيادي الجديد الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في المنطقة والعالم". وأشار إلى أنّ المملكة "لم تعد مجرّد شريك إقليمي، بل أصبحت دولة ذات ثقل عالمي في ملفات كبرى تتراوح بين الطاقة والأمن، وصولاً إلى التكنولوجيا والتسويات الدولية".
ولعلّ لبّ الوعي وخلاصة موقف المملكة ممّا سبق، وما انطوت عليه أولوية الزيارة، يتجسّد في قول فرنانديز: "لقد ولّى زمن الإملاءات والتدخلات المباشرة، وحلّ زمن الاعتماد على شركاء يتمتعون بالقدرة والحكمة في إدارة ملفات إقليمية شائكة".
أكتفي بهذا القدر في مقام "الإرهاص"، ففيه الغنى والإشارة إلى شواهد جمّة، تعزّز المعاني السياسية والاقتصادية التي تحتم البدء بالمملكة لأيّ راغب في زيارة الشرق الأوسط، والمساهمة الفاعلة في حلّ قضاياه المستعصية.
أمّا مقام "الفتح"، فقد تجلّى في المخرجات الاقتصادية القيّمة التي أسفرت عنها الزيارة، والتي سيكون لها أثر ملموس عاجلاً وآجلاً. وفي المواقف الودودة التي تجاوزت الأطر الرسمية، والتي عبّرت عن مشاعر الثناء والإعجاب الصادق من قبل الرئيس الأمريكي، في كلمته المؤثرة التي ألقاها على منصة "المنتدى الاستثماري السعودي – الأمريكي". لنستمع إليه وهو يقول: "إنه لشرف عظيم أن أعود إلى هذه المملكة الجميلة وأن أُستقبل مجدداً بهذا الكرم والود الاستثنائيين". ثمّ يمضي في وصف التغيير المذهل الذي لمسه في واقع المملكة، والذي يتماشى مع "الرؤية" المباركة. ويا لها من شهادة جلية يقرّ بها رئيس أقوى دولة في العالم، حين يقول: "الرياض مدينة تاريخية ومذهلة، ولم تعد موضعاً حكومياً فحسب؛ بل موضع للتكنولوجيا والابتكار والثقافة في العالم، إضافة إلى استضافتها لكأس العالم 2034، ومعرض إكسبو 2030". ويبلغ الذروة في الثناء بقوله: "على مدى السنوات الثماني الماضية، أثبتت المملكة العربية السعودية عكس ما توقعه النقاد، فالتحوّل الذي شهدته المملكة بقيادة الملك سلمان وسمو ولي العهد، وعلى مرأى قادة الأعمال في العالم الذين يقفون أمامنا الآن، كان استثنائياً حقاً، ولا أعتقد أن له نظيراً، فلم أرَ قط تحولاً بهذا الزخم".
أمّا ما قاله في حق ولي العهد الأمين، فهي شهادات ستبقى محفورة في ذاكرة التاريخ، تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل. فأي شهادة أصدق من قوله: "لدينا حلفاء رائعون في العالم، لكن لا يوجد أقوى من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان". وأمّا سؤاله العفوي لولي العهد: هل تنام ليلاً؟.. وما تبعه من توصيف مدهش وعبارة صادقة: في ثنايا قوله: "يا له من عمل قمت به، أعتقد أنك تتقلب مثل معظمنا في الليل، تفكر في كيفية تحسين المعيشة في بلدك.. أولئك الذين لا ينامون هم من سيأخذونك إلى الأرض الموعودة. يا له من عمل عظيم قمت به".
لا يراودني شكّ مطلقاً في أنّ ترامب كان في تلك اللحظة بأمسّ الحاجة إلى صوت الحكيم المتنبي لكي يسعفه في هذا المقام ببيته الشهير:
كُلٌّ يُريدُ رِجالَهُ لِحَياتِهِ
يا مَن يُريدُ حَياتَهُ لِرِجالِهِ
كانت تلك اللحظة "فتحاً" من الفتوحات التاريخية المشهودة. وقد تجلّت ثقة الرئيس الأمريكي في ولي العهد في الاستجابة الفورية برفع كافة العقوبات عن الشقيقة سوريا، في لحظة أثمرت مقام "الأيقونة". وما أن عقد ولي العهد يديه على صدره شكراً، حتّى غدت تلك الحركة العفوية أيقونة فرح، ودالة امتنان، سرت في أوصال الشعب السوري الشقيق، فخرج الجميع عاقدي أيديهم على صدورهم فرحة وامتناناً، وإدراكاً لوعي أمير حمل قضايا الأمة على عاتقه، وسهر من أجلها، وعمل ما وسعه الجهد لحلحلتها، وترتيب البيت العربي والشرق الأوسط والأمة الإسلامية جمعاء على مراقي السلم والأمن والتقدم والازدهار.. وبهذا يكون شرف القيادة ومعناها، وعلى هذا يذكر التاريخ صنيع الرجال.. وها هي "الأيقونة" تمتد وتتراحب وتصبح حديث العالم أجمع..
في الخاطر الكثير الكثير ممّا يتزاحم على قلمي، ويتقافز في مدادي للتسطير. ولكنّني أعجز عن إيجاد الحروف التي تعبّر أصدق تعبير وترسم الواقع بصدق. وكأنّني أقف موقف "النفري" قديماً في مقام العجز باسطاً قوله السيّار "كلّما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة". وما عليَّ لو جيّرت هذه العبارة وذهبت بكلمة "الرؤية"، مذهبي في التخصيص لوطني الأعز، وقيادتي الراشدة، وقد بلغت بنا ما بلغت من مشارف النجوم العوالي السوامق.
فلها المحبة كيفما اقتضت الأصول، ولها الولاء كما ينبغي لعظائم الرجال الفحول.
إنّ من يظنّ أنّ هذه الزيارة كانت مجرّد زيارة "اعتيادية" تندرج في إطار العلاقات الدبلوماسية والإجراءات البروتوكولية المعهودة بين الدول، فهو واهمٌ أشدّ الوهم. فالأمر أبعد من ذلك بكثير، وأعمق غوراً، وأكثر ثراءً بالمعاني والدلالات الخفيّة، والرسائل الموجّهة، والآثار الممتدة التي بدت كدوائر متّسعة الآفاق، تجذب إليها كلّ ما يحيط بها بقوّة مغناطيسية لا تقبل الحياد أو الانفكاك، لتشمل بتأثيرها كلّ من هو محلّي وإقليمي وعالمي.
حقّاً، كانت تلك الزيارة استثنائية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى. فما سبقها كان بمثابة الإرهاصات، وما شهدته كان فتحاً مبيناً، وما خلّفته وراءها كان بمثابة أيقونة خالدة.
إنّ ما أقوله هنا هو عين الحقيقة، لا مجرّد تخمين أو ظنّ. هو اليقين المطلق، لا التخرّص أو التكهّن. هو الواقع المجسّد، لا مجرّد كلمات عابرة لرجل متيّم بوطنه وقادته، ومفعم بالحبّ والانتماء. وإذا كان هذا هو حالي، فما عليّ من لوم أو عتاب. ولكن بعد التروّي والتأمّل العميق في مجريات الأحداث، تبلورت لديّ هذه الثلاثية المتجسدة في أيقونات "الإرهاص" و"الفتح" و"الأيقونة".
لننظر إلى المشهد العالمي قبيل الزيارة. كان مشهداً ملبداً بالغيوم، مضطرباً، محفوفاً بمخاطر المواجهات والصدامات، تهتزّ أركانه بفعل القرارات الاقتصادية التي أعلنها الرئيس ترامب، ممّا دفع دول العالم قاطبة إلى إعادة حساباتها والبحث عن حلول ومخارج. وفي خضمّ هذه الأجواء المتقلبة، يتّخذ الرئيس الأمريكي قراره بزيارة منطقة الشرق الأوسط، على أن تكون البداية من المملكة العربية السعودية.
هنا يكمن الإرهاص، وتتجلّى المكانة الرفيعة للمملكة. فالاختيار لم يكن عشوائياً أو اعتباطياً، والأولوية في الزيارة لم تكن مجرّد إجراء روتيني أو تفصيلة هامشية في عالم الجغرافيا السياسية. بل كانت فاتحة اقتضتها مكانة المملكة السامقة، وقيادتها الرشيدة، التي تتمتّع بالثقة والكفاءة اللازمتين لإحداث التغيير المنشود، بنديّة من يملكون القدرة والنفوذ، وسطوة من يقدرون على الفعل والتأثير.
لقد أدرك ذلك تمام الإدراك الدبلوماسي الأمريكي المخضرم ألبرتو فرنانديز، الذي وصف الزيارة بأنها "اعتراف أمريكي صريح بالدور القيادي الجديد الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في المنطقة والعالم". وأشار إلى أنّ المملكة "لم تعد مجرّد شريك إقليمي، بل أصبحت دولة ذات ثقل عالمي في ملفات كبرى تتراوح بين الطاقة والأمن، وصولاً إلى التكنولوجيا والتسويات الدولية".
ولعلّ لبّ الوعي وخلاصة موقف المملكة ممّا سبق، وما انطوت عليه أولوية الزيارة، يتجسّد في قول فرنانديز: "لقد ولّى زمن الإملاءات والتدخلات المباشرة، وحلّ زمن الاعتماد على شركاء يتمتعون بالقدرة والحكمة في إدارة ملفات إقليمية شائكة".
أكتفي بهذا القدر في مقام "الإرهاص"، ففيه الغنى والإشارة إلى شواهد جمّة، تعزّز المعاني السياسية والاقتصادية التي تحتم البدء بالمملكة لأيّ راغب في زيارة الشرق الأوسط، والمساهمة الفاعلة في حلّ قضاياه المستعصية.
أمّا مقام "الفتح"، فقد تجلّى في المخرجات الاقتصادية القيّمة التي أسفرت عنها الزيارة، والتي سيكون لها أثر ملموس عاجلاً وآجلاً. وفي المواقف الودودة التي تجاوزت الأطر الرسمية، والتي عبّرت عن مشاعر الثناء والإعجاب الصادق من قبل الرئيس الأمريكي، في كلمته المؤثرة التي ألقاها على منصة "المنتدى الاستثماري السعودي – الأمريكي". لنستمع إليه وهو يقول: "إنه لشرف عظيم أن أعود إلى هذه المملكة الجميلة وأن أُستقبل مجدداً بهذا الكرم والود الاستثنائيين". ثمّ يمضي في وصف التغيير المذهل الذي لمسه في واقع المملكة، والذي يتماشى مع "الرؤية" المباركة. ويا لها من شهادة جلية يقرّ بها رئيس أقوى دولة في العالم، حين يقول: "الرياض مدينة تاريخية ومذهلة، ولم تعد موضعاً حكومياً فحسب؛ بل موضع للتكنولوجيا والابتكار والثقافة في العالم، إضافة إلى استضافتها لكأس العالم 2034، ومعرض إكسبو 2030". ويبلغ الذروة في الثناء بقوله: "على مدى السنوات الثماني الماضية، أثبتت المملكة العربية السعودية عكس ما توقعه النقاد، فالتحوّل الذي شهدته المملكة بقيادة الملك سلمان وسمو ولي العهد، وعلى مرأى قادة الأعمال في العالم الذين يقفون أمامنا الآن، كان استثنائياً حقاً، ولا أعتقد أن له نظيراً، فلم أرَ قط تحولاً بهذا الزخم".
أمّا ما قاله في حق ولي العهد الأمين، فهي شهادات ستبقى محفورة في ذاكرة التاريخ، تتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل. فأي شهادة أصدق من قوله: "لدينا حلفاء رائعون في العالم، لكن لا يوجد أقوى من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان". وأمّا سؤاله العفوي لولي العهد: هل تنام ليلاً؟.. وما تبعه من توصيف مدهش وعبارة صادقة: في ثنايا قوله: "يا له من عمل قمت به، أعتقد أنك تتقلب مثل معظمنا في الليل، تفكر في كيفية تحسين المعيشة في بلدك.. أولئك الذين لا ينامون هم من سيأخذونك إلى الأرض الموعودة. يا له من عمل عظيم قمت به".
لا يراودني شكّ مطلقاً في أنّ ترامب كان في تلك اللحظة بأمسّ الحاجة إلى صوت الحكيم المتنبي لكي يسعفه في هذا المقام ببيته الشهير:
كُلٌّ يُريدُ رِجالَهُ لِحَياتِهِ
يا مَن يُريدُ حَياتَهُ لِرِجالِهِ
كانت تلك اللحظة "فتحاً" من الفتوحات التاريخية المشهودة. وقد تجلّت ثقة الرئيس الأمريكي في ولي العهد في الاستجابة الفورية برفع كافة العقوبات عن الشقيقة سوريا، في لحظة أثمرت مقام "الأيقونة". وما أن عقد ولي العهد يديه على صدره شكراً، حتّى غدت تلك الحركة العفوية أيقونة فرح، ودالة امتنان، سرت في أوصال الشعب السوري الشقيق، فخرج الجميع عاقدي أيديهم على صدورهم فرحة وامتناناً، وإدراكاً لوعي أمير حمل قضايا الأمة على عاتقه، وسهر من أجلها، وعمل ما وسعه الجهد لحلحلتها، وترتيب البيت العربي والشرق الأوسط والأمة الإسلامية جمعاء على مراقي السلم والأمن والتقدم والازدهار.. وبهذا يكون شرف القيادة ومعناها، وعلى هذا يذكر التاريخ صنيع الرجال.. وها هي "الأيقونة" تمتد وتتراحب وتصبح حديث العالم أجمع..
في الخاطر الكثير الكثير ممّا يتزاحم على قلمي، ويتقافز في مدادي للتسطير. ولكنّني أعجز عن إيجاد الحروف التي تعبّر أصدق تعبير وترسم الواقع بصدق. وكأنّني أقف موقف "النفري" قديماً في مقام العجز باسطاً قوله السيّار "كلّما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة". وما عليَّ لو جيّرت هذه العبارة وذهبت بكلمة "الرؤية"، مذهبي في التخصيص لوطني الأعز، وقيادتي الراشدة، وقد بلغت بنا ما بلغت من مشارف النجوم العوالي السوامق.
فلها المحبة كيفما اقتضت الأصول، ولها الولاء كما ينبغي لعظائم الرجال الفحول.